الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»
مقاتل: صنم كسره إلياس وهرب منهم.وقيل: كان من ذهب وكان طوله عشرين ذراعا، وله أربعة أوجه، فتنوا به وعظموه حتى أخدموه أربعمائة سادن وجعلوهم أنبياءه، فكان الشيطان يدخل في جوف بعل ويتكلم بشريعة الضلالة، والسدنة يحفظونها ويعلمونها الناس، وهم أهل بعلبك من بلاد الشام. وبه سميت مدينتهم بعلبك كما ذكرنا. {وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ} أي أحسن من يقال له خالق.وقيل: المعنى أحسن الصانعين، لأن الناس يصنعون ولا يخلقون ن. {اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ} بالنصب في الأسماء الثلاثة قرأ الربيع بن خيثم والحسن وابن أبي إسحاق وابن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي. واليها يذهب أبو عبيد وأبو حاتم.وحكى أبو عبيد أنها على النعت. النحاس: وهو غلط وإنما هو على البدل ولا يجوز النعت ها هنا، لأنه ليس بتخلية. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وأبو جعفر وشيبة ونافع بالرفع. قال أبو حاتم: بمعنى هو الله ربكم. قال النحاس: وأولى مما قال أنه مبتدأ وخبر بغير إضمار ولا حذف. ورأيت علي بن سليمان يذهب إلى أن الرفع أولى وأحسن، لأن قبله رأس آية فالاستئناف أولى. ابن الأنباري: من نصب أو رفع لم يقف على {أَحْسَنَ الْخالِقِينَ} على جهة التمام، لأن الله عز وجل مترجم عن {أَحْسَنَ الْخالِقِينَ} من الوجهين جميعا. قوله تعالى: {فَكَذَّبُوهُ} أخبر عن قوم إلياس أنهم كذبوه. {فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} أي في العذاب. {إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} أي من قومه فإنهم نجوا من العذاب. وقرئ: {المخلصين} بكسر اللام وقد تقدم. {وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} تقدم. {سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ} قراءة الأعرج وشيبة ونافع. وقرأ عكرمة وأبو عمرو وابن كثير وحمزة والكسائي: {سلام على إلياسين}. وقرأ الحسن: {سلام على إلياسين} بوصل الألف كأنها ياسين دخلت عليها الألف واللام التي للتعريف. والمراد إلياس عليه السلام، وعليه وقع التسليم ولكنه اسم أعجمي. والعرب تضطرب في هذه الأسماء الأعجمية ويكثر تغييرهم لها. قال ابن جني: العرب تتلاعب بالأسماء الأعجمية تلاعبا، فياسين وإلياس وإلياسين شيء واحد. الزمخشري: وكان حمزة إذا وصل نصب وإذا وقف رفع. وقرئ: {على إلياسين} و{إدريسين} و{إدرسين} و{إدراسين} على أنها لغات في إلياس وإدريس. ولعل لزيادة الياء والنون في السريانية معنى. النحاس: ومن قرأ: {سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ} فكأنه والله أعلم جعل اسمه إلياس وياسين ثم سلم على آله، أي أهل دينه ومن كان على مذهبه، وعلم أنه إذا سلم على آله من أجله فهو داخل في السلام، كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «اللهم صل على آل أبي أوفى» وقال الله تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ} [غافر: 46]. ومن قرأ {إلياسين} فللعلماء فيه غير قول. فروى هرون عن ابن أبي إسحاق قال: إلياسين مثل إبراهيم يذهب إلى أنه اسم له. وأبو عبيدة يذهب إلى أنه جمع جمع التسليم على أنه واهل بيته سلم عليهم، وأنشد: يقال: قدني وقدي لغتان بمعنى حسب. وإنما يريد أبا خبيب عبد الله بن الزبير فجمعه على أن من كان على مذهبه داخل معه. وغير أبي عبيدة يرويه: الخبيبين على التثنية، يريد عبد الله ومصعبا. ورأيت علي بن سليمان يشرحه بأكثر من هذا، قال: فإن العرب تسمي قوم الرجل باسم الرجل الجليل منهم، فيقولون: المهالبة على أنهم سموا كل رجل منهم بالمهلب. قال: فعلى هذا {سلام على إلياسين} سمي كل رجل منهم بإلياس. وقد ذكر سيبويه عي كتابه شيئا من هذا، إلا أنه ذكر أن العرب تفعل هذا على جهة النسبة، فيقولون: الأشعرون يريدون به النسب. المهدوي: ومن قرأ {إلياسين} فهو جمع يدل فيه إلياس فهو جمع إلياسي فحذفت ياء النسبة، كما حذفت ياء النسبة في جميع المكسر في نحو المهالبة في جمع مهلبي، كذلك حذفت في المسلم فقيل المهلبون. وقد حكى سيبويه: الأشعرون والنميرون يريدون الأشعريين والنميريين. السهيلي: وهذا لا يصح بل هي لغة في إلياس، ولو أراد ما قالوه لأدخل الألف واللام كما تدخل في المهالبة والأشعريين، فكان يقول: {سلام على الإلياسين} لأن العلم إذا جمع ينكر حتى يعرف بالألف واللام، لا تقول: سلام على زيدين، بل على الزيدين بالألف واللام. فإلياس عليه السلام فيه ثلاث لغات. النحاس: واحتج أبو عبيد في قراءته {سلام على إلياسين} وأنه اسمه كما أن اسمه إلياس لأنه ليس في السورة سلام على {آل} لغيره من الأنبياء صلى الله عليهم وسلم، فكما سمي الأنبياء كذا سمي هو. وهذا الاحتجاج أصله لأبي عمرو وهو غير لازم، لأنا بينا قول أهل اللغة أنه إذا سلم على آله من أجله فهو سلام عليه. والقول بأن اسمه {إلياسين} يحتاج إلى دليل ورواية، فقد وقع في الأمر إشكال. قال الماوردي: وقرأ الحسن {سلام على ياسين} بإسقاط الألف واللام وفية وجهان: أحدهما أنهم آل محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال ابن عباس. والثاني أنهم آل ياسين، فعلى هذا في دخول الزيادة في ياسين وجهان: أحدهما: أنها زيدت لتساوي الآي، كما قال في موضع: {طُورِ سَيْناءَ} [المؤمنون: 20] وفي موضع آخر {طُورِ سِينِينَ} [التين: 2] فعلى هذا يكون السلام على أهله دونه، وتكون الإضافة إليه تشريفا له.الثاني: أنها دخلت للجمع فيكون داخلا في جملتهم فيكون السلام عليه وعليهم. قال السهيلي: قال بعض المتكلمين في معاني القرآن آل ياسين آل محمد عليه السلام، ونزع إلى قول من قال في تفسير {يس} يا محمد. وهذا القول يبطل من وجوه كثيرة: أحدها: أن سياقة الكلام في قصة إلياسين يلزم أن تكون كما هي في قصة إبراهيم ونوح وموسى وهارون وأن التسليم راجع عليهم، ولا معنى للخروج عن مقصود الكلام لقول قيل في تلك الآية الأخرى مع ضعف ذلك القول أيضا، فإن {يس} و{لَحْمَ} و{الم} ونحو ذلك القول فيها واحد، إنما هي حروف مقطعة، إما مأخوذة من أسماء الله تعالى كما قال ابن عباس، وإما من صفات القرآن، وإما كما قال الشعبي: لله في كل كتاب سر، وسره في القرآن فواتح القرآن. وأيضا فإن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «لي خمسة أسماء» ولم يذكر فيها يس. وأيضا فإن {يس} جاءت التلاوة فيها بالسكون والوقف، ولو كان اسما للنبي صلى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقال: {يسن} بالضم، كما قال تعالى: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ} [يوسف: 46] وإذا بطل هذا القول لما ذكرناه، ف {إلياسين} هو إلياس المذكور وعليه وقع التسليم.وقال أبو عمرو بن العلاء: هو مثل إدريس وإدراسين، كذلك هو في مصحف ابن مسعود. {وإن إدريس لمن المرسلين} ثم قال: {سلام على إدراسين}. {إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} تقدم.
|